سورة البقرة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} سميت القرية قرية لأنها تجمع أهلها، ومنه المقراة: للحوض، لأنها تجمع الماء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي أريحاء وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق، وقيل: بلقاء، وقال مجاهد: بيت المقدس، وقال الضحاك: هي الرملة والأردن وفلسطين وتدمر، وقال مقاتل: إيليا، وقال ابن كيسان: الشام {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} موسعا عليكم {وَادْخُلُوا الْبَابَ} يعني بابا من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب {سُجَّدًا} أي ركعا خضعا منحنين، وقال وهب: فإذا دخلتموه فاسجدوا شكرا لله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} قال قتادة: حط عنا خطايانا، أمروا بالاستغفار، قال ابن عباس: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب، ورفعها على تقدير: قولوا مسألتنا حطة {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} الغفر وهو الستر، فالمغفرة تستر الذنوب، وقرأ أهل المدينة ونافع بالياء وضمها وفتح الفاء، وقرأها ابن عامر بالتاء وضمها وفتح الفاء، وفي الأعراف قرأ جميعا ويعقوب بالتاء وضمها، وقرأ الآخرون فيهما بنصب النون وكسر الفاء {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} ثوابا من فضلنا.
{فَبَدَّل} فغير {الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم وقالوا {قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحنطة، فقالوا بلسانهم: حطانا سمقاثا أي حنطة حمراء، استخفافا بأمر الله تعالى، وقال مجاهد: طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رءوسهم فأبوا أن يدخلوها سجدا فدخلوا على أستاههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولا غير الذي قيل لهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إسحاق بن نصر أنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاهم وقالوا حبة في شعرة».
{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} قيل: أرسل الله عليهم طاعونا فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى.


{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى} طلب السقيا {لِقَوْمِه} وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى إليه كما قال: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ} وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نورا، واسمها عليق حملها، آدم عليه السلام من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب عليه السلام فأعطاها موسى عليه السلام.
قال مقاتل: اسم العصا بنعته قوله تعالى: {الْحَجَر} اختلفوا فيه قال وهب: لم يكن حجرا معينا بل كان موسى يضرب أي حجر كان من عرض الحجارة فينفجر عيونا لكل سبط عين، وكانوا اثني عشر سبطا ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم، وقال الآخرون: كان حجرا معينا بدليل أنه عرف بالألف واللام، وقال ابن عباس: كان حجرا خفيفا مربعا على قدر رأس الرجل كان يضعه في مخلاته فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه، وقال عطاء: كان للحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين وقيل: كان الحجر رخاما، وقيل: كان من الكذان فيه اثنتا عشرة حفرة، ينبع من كل حفرة عين ماء عذب، فإذا فرغوا وأراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء، وكان يسقي كل يوم ستمائة ألف، وقال سعيد بن جبير: هو الحجر الذي وضع موسى ثوبه عليه ليغتسل ففر بثوبه ومر به على ملأ من بني إسرائيل حين رموه بالأدرة فلما وقف أتاه جبرائيل فقال: إن الله تعالى يقول: ارفع هذا الحجر فلي فيه قدرة، ولك فيه معجزة، فرفعه ووضعه في مخلاته، قال عطاء: كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على موضع كل ضربة مثل ثدي المرأة فيعرق ثم يتفجر الأنهار، ثم تسيل. وأكثر أهل التفسير يقولون: انبجست وانفجرت واحد، وقال أبو عمرو بن العلاء: انبجست عرقت وانفجرت، أي: سالت، فذلك قوله تعالى: {فَانْفَجَرَتْ} أي فضرب فانفجرت أي سالت منه {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} على عدد الأسباط {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره في شربه {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} أي وقلنا لهم كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله يأتيكم بلا مشقة {وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ} والعيث: أشد الفساد يقال عثى يعثي عيثا، وعثا يعثو عثوا وعاث يعيث عيثا.


قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} وذلك أنهم أجمعوا وسئموا من أكل المن والسلوى، وإنما قال: {عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} وهما اثنان لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين، كقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [22- الرحمن] وإنما يخرج من المالح دون العذب وقيل: كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فكانا كطعام واحد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا يعجنون المن بالسلوى فيصيران واحدا {فَادْعُ لَنَا} فاسأل لأجلنا {رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا} قال ابن عباس: والفوم الخبز: وقال عطاء، الحنطة وقال القتيبي رحمه الله تعالى: الحبوب التي تؤكل كلها وقال الكلبي: {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ} لهم موسى عليه السلام {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} أخس وأردى {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أشرف وأفضل وجعل الحنطة أدنى في القيمة وإن كان هي خيرا من المن والسلوى، أو أراد أنها أسهل وجودا على العادة، ويجوز أن يكون الخير راجعا إلى اختيار الله لهم واختيارهم لأنفسهم {اهْبِطُوا مِصْرًا} يعني: فإن أبيتم إلا ذلك فانزلوا مصرا من الأمصار، وقال الضحاك: هو مصر موسى وفرعون، والأول أصح، لأنه لو أراده لم يصرفه {فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} نبات الأرض {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ} جعلت عليهم وألزموا {الذِّلَّة} الذل والهوان قيل: بالجزية، وقال عطاء بن السائب: هو الكستيج والزنار وزي اليهودية {وَالْمَسْكَنَةُ} الفقر، سمي الفقير مسكينا لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء، وقيل: الذلة هي فقر القلب فلا ترى في أهل الملل أذل وأحرص على المال من اليهود.
{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} رجعوا ولا يقال: باءوا إلا بشر وقال أبو عبيدة: احتملوا وأقروا به، ومنه الدعاء: أبوء {لك} بنعمتك علي وأبوء بذنبي، أي: أقر {ذَلِكَ} أي الغضب {بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} تفرد نافع بهمز النبي وبابه، فيكون معناه المخبر من أنبأ ينبئ، والقراءة المعروفة ترك الهمزة، وله وجهان: أحدهما هو أيضا من الإنباء، تركت الهمزة فيه تخفيفا لكثرة الاستعمال، والثاني هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهي المكان المرتفع، فعلى هذا يكون النبيين على الأصل {بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي بلا جرم فإن قيل: فلم قال: بغير الحق وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟ قيل ذكره وصفا للقتل، والقتل تارة يوصف بغير الحق وهو مثل قوله تعالى: {قال رب احكم بالحق} [112- الأنبياء] ذكر الحق وصفا للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق، ويروى أن اليهود قتلت سبعين نبيا في أول النهار وقامت سوق بقتلهم في آخر النهار {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10